شاع فى الفترة الأخيرة بث إعلانات غير مناسبة على قنوات وبرامج الأطفال تحمل رسائل لا تتناسب مع عمر الطفل بل تقتحم وعيه بتصريحات وتلميحات وإشارات تتنافى مع القواعد الأخلاقية التى يجب أن يربى عليها الطفل.
حول هذا الموضوع يحدثنا د.محمد المهدى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر قائلا: مرحلة الطفولة لها خصوصية لأن الطفل يتعامل بما يسمى الضمير المستعار، بمعنى أن الصواب والخطأ يتحدد لديه بما يصله من الكبار فهو لا يمتلك القدرة على النقد والفرز لما يراه لأنه ليس لديه جهاز مناعة ضد الأفكار الخاطئة، لذلك فهو يستقبل الرسائل الإعلانية، كما هى وتصبح جزءا من بنيانه المعرفى ويتأثر بها سلوكه، فضلا عن الجاذبية الشديدة والإبهار الواضح للمادة الإعلانية وسرعة حفظها وترديدها بواسطة الطفل، ونستطيع أن نتخيل مدى تغلغل هذه المادة فى وعيه وتأثيرها فى سلوكه على المدى القصير والطويل.
ويشير د. محمد: إلى أن الطفل يجلس ساعات طويلة أمام التليفزيون والأهل لديهم إحساس بالأمان الزائف، لأن إبنهم يشاهد قناة أطفال والمفترض أنها قناة بريئة وهادفة وخالية مما تحفل به قنوات الكبار من ملوثات للوعى والضمير، وقد أكدت الدراسات أن الأشياء تلتصق بوعى الطفل بدرجة كبيرة وتؤثر فى سلوكه طوال حياته لذلك نجد فى كل دول العالم تنظيمات للمواد الإعلامية خاصة الموجهة للصغار حتى لا تصل إليهم مواد تشوه نموهم الفكرى والوجدانى والسلوكى، وكل وسائل الإعلام تلتزم بها ولديها ميثاق شرف لا تتعداه مهما كان إغراء الكسب المادى والجذب الإعلانى... وإلى أن يتحقق ذلك فى مجتمعاتنا فإنها تصبح مسئولية الأبوين أن يعرفا ماذا يشاهد الأبناء على قنوات التليفزيون، وأن يعلما أبناءهم المشاهدة الإنتقائية والرؤية النقدية قدر المستطاع.
وتوافقه الرأى د.نجوى الفوال أستاذ الإعلام بالمركز القومى للبحوث الإجتماعية والجنائية قائلة: الطفل أثناء مشاهدته لأفلام الكارتون يضع فى ذهنه أنه شئ خيالى وغير واقعى، وبالتالى يكون تأثيرها عليه محدودا إلى حد كبير، أما الإعلانات فهو يدرك أنها شئ حقيقى يعبر عن سلعة أو خدمة موجودة فى المجتمع فيصدقها ويتأثر بها بشكل مطلق.
وعن التأثير السلبى للإعلانات على الأطفال توضح د.نجوى: أنها تغرس قيم المجتمع الإستهلاكى لدى الطفل وتزيد من تطلعاته فلا يكف عن طلب الكماليات، وهذا لا يتفق مع المرحلة التى نمر بها فى المجتمع من ظروف إقتصادية متردية مما يجعله يرفض واقعه الأسرى ويتمرد عليه، كما تنمى لديه حب التملك، إضافة أن خروج الإعلان عن السلوك المقبول من خلال ألفاظ وعبارات سوقية تنحدر بسلوك الطفل بدرجة شديدة ولا يرى عيبا فى تقليد الإعلان والتأثر به لأن الطفل فى مراحله الأولى يحتاج إلى نموذج يمشى وراءه وإذا لم يجد توجيه من الأسرة فيعتبر الشخصية المؤدية للإعلان هى المثل الأعلى الذى يقتدى به.
و فى النهاية تؤكد د أن الإعلانات فى الخارج لها ضوابط وقواعد لا تتخطاها وتتميز بالإبداع والإبهار مع التزامها الكامل بميثاق الشرف الإعلامى، أما فى مجتمعنا فيوجد إساءة لإستخدام المادة الإعلانية حتى فى قنوات الأطفال التى لم تأخذ فى إعتبارها أن المتلقى هو الطفل وهو كقطعة الإسفنج يمتص كل ما حوله، إضافة إلى أننا نعانى من فقد قنوات الاتصال داخل الأسرة بسبب انشغال الأبوين بالحياة العملية والمادية، ولذا لابد أن يفرغا جزءا من وقتهما لأطفالهما والرجوع إلى غرس القيم عن طريق قراءة القصص والحكايات ومشاهدة تلك القنوات لكى يتمكنا من عمل فلترة للقيم التى يتلقاها الطفل، ولابد أن ننمى بداخلهم ثقافة الرفض للمدخلات الرديئة وما تحمله من قيم سلبية على مجتمعنا وثقافتنا.
الكاتب: عبير المليجى.
المصدر: جريدة الأهرام اليومي.